كلمة الدين في العربية تحمل معني ثقيل علي الادن، الا وهو ما يجب تسديده من مال او الوفاء به من التزامات.
لكنها ايضا تشير الي احساس الانسان ، كل انسان، بثقل معاصيه، حتي ينوء كتفيه بما يحمل.
هذا المعني ، صعق نظري منذ مدة وجيزة اثناء ركوبي المترو. ان الشخس الواقف بقربي يقرأ في نبذة، هذه العبارة: “من فعل كذا.. استففر له سبعين الف الف من الملائك”.. لهذه الدرجة يشعر الانسان بثفل الخطية.
هذا المعني ايضا نجده في العهد القديم ومنها مزامير التوبة مثل:
خسفت من الغم عيني.نفسي وبطني. لان حياتي قد فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد. ضعفت بشقاوتي قوتي وبليت عظامي. (مز31: 9 و 10).
طوبى للذي غفر اثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش. لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله. لان يدك ثقلت علي نهارا وليلا.تحولت رطوبتي الى يبوسة القيظ. اعترف لك بخطيتي ولا اكتم اثمي.قلت اعترف للرب بذنبي وانت رفعت اثام خطيتي (مز32).
لان شرورا لا تحصى قد اكتنفتني.حاقت بي اثامي ولا استطيع ان ابصر.كثرت اكثر من شعر راسي وقلبي قد تركني (مز40: 12).
الغفران الذي منحه الله للمؤمنين به عندما يعترفون بخطية يأتونها بعد الإيمان، هو عن هذه الخطية وحدها. والغرض منه ليس إعادة لإعطائهم الروح القدس [لأن هذا الروح وإن كان يحرزن بسبب سوء تصرّفهم (أفسس 4: 30)، لكن لا ينـزع منهم (رومية 11: 29)] لأنه هبة من الله لهم.. وكل ذلك بفضل كفارة المسيح الدائمة الأثر، لأن هذه الكفارة مرتبطة بالمسيح الدائم إلى الأبد بكامل مجده وجلاله. بل الغرض من الغفران المذكور هو رفع ثقل الخطية التي فعلوها عن ضمائرهم (2كورنثوس 2: 5 ـ 11)، حتى يستطيعوا العودة إلى التمتّع بالشركة الروحية مع الله، والقيام بعبادته وخدمته في الوقت الحاضر كما كانوا يفعلون من قبل.
(عوض سمعان)
أن الاعتراف بالخطية ليس هو مجرّد طلب الغفران عنها، بل إنه كشفها كما هي أمام الله. وإن كان الله لا يحتاج إلى نكشف له عن خطايانا، لأنه يرى الظاهرة والباطنة منها، لكنه يريد أن نقرّ نحن أمامه بكل خطأ نقع فيه، كشيء نمقته ونعزم من كل قلوبنا على الإقلاع عنه، .. لكي نهذّب نفوسنا ونصلح إعوجاجها ..
لكن يجب أن لا يغيب عنا أن الاعتراف وإن كان مذلاً للنفس، غير أنه ليس الثمن الذي عينه الله لغفران الخطية التي نقع فيها، بل هو فقط السبيل الذي يهيء نفوسنا للتمتّع به. لأن الثمن الوحيد للغفران في كل زمان ومكان، هو كفارة المسيح. وهذه الكفارة لا تزال محتفظة بقيمتها وستظلّ محتفظةً بها إلى الأبد أيضاً.
فمثل المؤمنين الحقيقيين في حالة السقوط في الخطية، مثل أبناء بررة لأب محبّ رؤوف، فإنهم إذا أخطأوا، لا ينكر بنوّتهم له أو يطردهم من بيته، أو يحرمهم من الميراث الذي أعدّه لهم، بل يظهر فقط حزنه الشديد لسوء تصرّفهم، ويحرمهم من بعض الامتيازات التي كان يمتّعهم بها من قبل (مثل الترحيب بهم في حضرته، والتحدّث باللطف معهم) ـ وهذا ما يحزّ في نفوسهم ويؤلمهم كثيراً، لكن عندما يأتون إليه معترفين بقلوبهم بما صدر منهم من خطأ، ومتعهّدين بعدم العودة إليه مستقبلاً، يصفح عنهم ويقبلهم في حضرته، وبذلك يعودون للتمتّع به، كما كانوا يتمتّعون من قبل.
أخيراً نقول: نظراً لكفاية كفارة المسيح وإيفائها لمطالب عدالة الله وقداسته إلى الأبد من جهتنا نحن المؤمنين، فإن الغفران الذي نناله بواسطة الاعتراف، لا يكون نابعاً من عطف الله ورحمته فحسب، بل ونابعاً أيضاً من عدالته وأمانته. فقد قال الوحي في الآية التي نحن بصددها إن “الله أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا”. فهو أمين من جهة ذاك الذي مات على الصليب حاملاً دينونة خطايانا، وهو أيضاً عادل لأنه لا يطلب توقيع هذه الدينونة مرة أخرى علينا نحن المؤمنين.
(عوض سمعان)